الانقلاب الحمساوي لماذا وكيف والى أين؟؟

ما إن سيطرت حركة حماس بفعل انقلابها العسكري على مقاليد الأمور في قطاع
غزة بالسرعة المذهلة، فان أسئلة كثيرة في حينه قد تم طرحها بحثا عن حقيقة
ما جرى مع محاولة قراءة ما بعد الانقلاب، سواء كان ذلك من المثقفين أو
المفكرين والخبراء العسكريين والأمنيين أو حتى على مستوى المواطن
الفلسطيني البسيط، وقد كنت من هؤلاء حيث أجريت دراسة في حينه جاء في
خلاصتها استنادا لوقائع الانقلاب ومعطياته، وبعد الإجابة على بعض
التساؤلات التي كانت مطروحة في مقدمة تلك الدراسة بأننا أمام بناء نظام
سياسي فلسطيني جديد (بروسترويكا فلسطينية) كان لا بد من انقلاب يمهد
لتنفيذ بنائه على أسس صحيحة وسليمة.

أسئلة كثيرة أثرتها في حينه، وكانت إجاباتها أساسا في استنباط أرائي حول
الانقلاب وكان من أكثرها أهمية وإلحاحا هل إن ما حدث من سيطرة للحماسيين
على مواقع السلطة ومقاليد الأمور في قطاع غزة كان فخا منصوبا لهم، وذلك
لسرعة الخلاص منهم فيما بعد دون اللجوء إلى الصدام الدموي وشبح الحرب
الأهلية؟، أو أن السيد الرئيس حاول مغازلة حماس واسترضائها حتى لا نصل إلى
مرحلة الصدام والاستئصال؟، وبأن ما حدث فعلا من انقلاب على الشرعية ومن
سيطرة بالكامل على قطاع غزة قد شكل صدمة قوية للرئيس باعتبارها خطوة غير
متوقعه؟.

إن الوقائع والمعطيات التي واكبت الانقلاب تؤكد بأن الانقلاب ما كان له أن
يتم دون التمهيد لعوامل إنجاحه والتي كانت كثيرة، وما كان أن يتم بعضها
دون مباركة وموافقة الرئاسة بطريقة غير مباشرة، ولم تكن عوامل إنجاح
الانقلاب باعتقادي إلا لسرعة الوصول إلى الاتفاق على نظام سياسي للشعب
الفلسطيني يجمع عليه كافة طبقات الشعب الفلسطيني وشرائحه وقواه عبر اقصر
الطرق وتجنبا لمزيد من المعاناة وإراقة الدماء وكانت رؤيتنا بذلك تمتد من
العوامل التي أنجحت الانقلاب بتلك الكيفية التي تمت بها وهي كثيرة منها
غياب الأوامر والتعليمات الرئاسية المباشرة.

حيث كانت خطابات وتوجيهات الرئاسة بمجملها تدعو إلى ضبط النفس، والدعوة
إلى الحوار بين حركتي فتح وحماس لتجنب سقوط الأبرياء، أو بالدعوة إلى
الحفاظ على مقدرات الوطن والدفاع عنها، ودون تحميل أية جهة بشكل مباشر
مسؤولية الأحداث، أو اللجوء لإجراءات حسمها سواء من حيث عدم تحميل مسؤولية
التقصير لأي قائد عسكري أو امني على امتداد أيام الأحداث وقبل سيطرة حماس
النهائية، أو من حيث عدم إعلان حالة الطوارئ وعدم حسم الأمور ولجم حركة
حماس بموجب خطة تقوم بها الأجهزة الرئاسية.

غياب الخطاب الفتحاوي الرسمي هو الآخر شكل عاملا مهما في إنجاح الانقلاب
حيث إن السلطة بأجهزتها الأمنية والعسكرية رغم ضعفها وحالة الترهل التي
أصابت كوادرها كانت قادرة على ردع أي اعتداء كانت تقوم به حركة حماس، وذلك
لأسباب عدة أهمها أن الكثير من كوادر تلك الأجهزة لا يتفقون أيديولوجياً
مع حركة حماس، ويعتقدون بأنها ستؤدي بالشعب حتماً إلى ضياع هويته وغيابها،
وبالتالي ضياع إنجازات منظمة التحرير الفلسطينية، إلا إن غياب الخطاب
الفتحاوي على مستوى اللجنة المركزية من حيث عدم الدعوة إلى إعادة تنظيم
حركة فتح بأجنحتها ومؤسساتها، وعدم دعوتهم أيضا لأبناء الحركة بضرورة
التحرك لصد الهجمات التي كانت تقوم بها حركة حماس ضد مؤسساته وكوادره
وكافة أطره التنظيمية قد أربك القاعدة التنظيمية للحركة، وجعل أعضائها في
حالة ترقب وذهول إلى أن تم الانقلاب، حيث غاب معظم قيادة اللجنة المركزية
لحركة فتح عن مخاطبة الجماهير الفتحاوية التي تملكتها الحيرة وقت اشتداد
المواجهات، ولم يكن ذلك الغياب باعتقادي إلا لترك القواعد الفتحاويه تأخد
زمام المبادرة لوحدها، كما تم ترك زمام المبادرة لقيادة الأجهزة الأمنية
والعسكرية ولم يكن ذلك إلا لعدم تحمل القيادة الفتحاوية أية تبعات
لخطاباتهم وأية نتائج قد تسفر عن المواجهة وان عدم الظهور كان للتقليل
بأقسى ما يمكن من خسائر المواجهة من جهة، وعدم امتداد الصدام لتصبح حربا
أهليه قد تمتد لسنوات من جهة ثانية.

إن تغييب موقف الفصائل الفلسطينية كان له الأثر الهام فيما حدث أيضا، حيث
لم يطلب منها أن تحدد موقفها النهائي تجاه الأحداث، وإنما تم ترك ذلك
لقيادة تلك الفصائل السياسية وتقديرهم أيضا ولذلك كان غياب مواقفهم
الفعلية في حين، وغياب تصريحاتهم الإعلامية في حين أخر، وان كان قد تم ذلك
في بعض الأحيان فإنما كانت تلك التصريحات لا تخلو من المغازلة وكأن ما
يحدث من صراع هو في دولة أخرى ولا يريدون تحديد موقفهم استناداً إلى قاعدة
عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول مع أن السيد الرئيس باعتقادي
كان قادرا على الضغط على تلك الفصائل لتحديد موقفهم الجدي من الصدام
الدائر إلا انه ترك ذلك أيضا لتقديرهم وكان واثقا بان تلك المواقف التي
سيتم اتخاذها فيما بعد ستخدم ما هو مطلوب وفق ما يصبوا إلى تحقيقه من حيث
تعرية تامة لحركة حماس، وكشف زيف مواقفها تمهيدا لإجبارها على التوافق مع
باقي قوى وفصائل العمل الوطني.

هناك عامل أخر وهو من ابرز العوامل واكترها حسما في إنجاح الانقلاب، وهو
عدم تعبئة الجماهير وتحريكها لمواجهة الانقلابيين حيث أن الجماهير
الفلسطينية التي أذهلتها خطابات قيادات حماس السياسية وأفعال مسلحيها كانت
عاجزة عن أي تحرك شعبي بفعل إطلاق ميلشيات حركة حماس النيران باتجاه بعض
الفعاليات الشعبية من جهة، وفي ظل غياب الإعلام الرسمي للسلطة الوطنية
وحركة فتح وعدم إتباع سياسة تعبئة الشارع وتحريكه من جهة ثانية.

أما قادة الأجهزة العسكرية والأمنية فإنهم لم يكونوا على المستوى المطلوب
ليمتلكوا زمام المبادرة للدفاع عن المؤسسات الوطنية، ولذلك تم الإتيان بهم
باعتقادي ليكونوا على رأس تلك المناصب تمهيدا لترك المقرات دون الدفاع
عنها لإطباق الفخ على حركة حماس من جهة، ولمحاسبة هؤلاء القادة من جهة
أخرى فيما بعد بحجة عدم تحمل مسؤولياتهم، وذلك لأنه كان لا يمكن محاسبتهم
قبل ذلك لأنهم كانوا قد أحاطوا أنفسهم بمجموعة من المسلحين لتشكيل حالة
لهم في الخارطة العسكرية والامنيه للسلطة.

إن الكثير من قادة الأجهزة كانوا معروفين بعدم انضباطهم، وبتعدد ولاءاتهم
بحثا عن مكان لهم في أية حكومة قد تأتي بها قوة السلاح، وكان البعض من
هؤلاء لا يرتبطون بمؤسسة الرئاسة وببرنامج شعب بقدر ارتباطهم بأشخاص ضنوا
أنهم القادرون بان يكونوا رجال المرحلة القادمة لما يستندون عليه من أجهزة
وأفراد، بل وحتى قيادات، ومن القريبين على دائرة اتخاذ القرار، بل وربما
المشاركين في صناعته، ، ولذلك كان قادة الأجهزة الأمنية يفعلون في أجهزتهم
ما يحلو لهم ويتصرفون وفق أهوائهم وبعيدا عن أية انتماءات وطنية وإنما كان
كل ما يبحثون عنه هي المصالح ألنفعيه، لأنهم ضنوا بان الحالة الفوضوية في
الساحة الفلسطينية لا يمكن أن يأتي يوم يتم فيه محاسبتهم على ما قاموا به
من أعمال سرقة ونهب واستغلال وظائف أو ارتباطات بعيدة عن المصلحة العامة.

من اجل إطباق الفخ كاملا على حركة حماس وإنجاح الضغط عليها للتوافق على
برنامج وطني يتفق مع الشرعيات الثلاث الفلسطينية والعربية والدولية كان لا
بد من تمليكها سلطة لتمارسها فعلا من اجل دفع استحقاقاتها بعيدا عن
الشعارات التعبوية، ولذلك كان لا بد من انسحاب الأجهزة الأمنية وخاصة جهاز
الحرس الرئاسي من مقر الرئيس ومنزله حتى تصبح غزة بأكملها تحت سيطرة
الحماسيين لإضفاء صفة الانقلاب على ممارساتها، ومحاربتها فيما حاولت
تقديمه من تبريرات بأن ما قامت به حسما ضد تيار بعينه، وإنما مشكلة انقلاب
عسكري على الشرعية وبالتالي تصبح المشكلة دوليه ليتم بذلك التضييق على
حركة حماس عربيا ودوليا لإجبارها على الوقوف ولو للحظة للتفكير في مصلحة
الشعب الفلسطيني ودون الالتفات لأية مصالح إقليمية.

إن تلك المقدمات التي تم تمهيدها لحركة حماس لإيقاعها في فخ الانقلاب كانت
تهدف إلى التسريع في إعادة الأمن واستتبابه ودفع استحقاقات عملية السلام
والاتجاه نحو بحث كامل لمفاوضات الوضع النهائي بعد أن تكون حماس قد نفدت
أثناء انقلابها ما لم تستطع الرئاسة الفلسطينية تحقيقه، من حيث إنهاء
مراكز القوى والقضاء على ميليشيات العائلات، وتفكيك الأجنحة العسكرية
المسلحة بما فيها ميليشيات حماس نفسها، وبالتالي فان قادة حماس العسكريين
قد قلبوا الطاولة على رأس قادتهم السياسيين ونفذوا للرئاسة ما هو مطلوب
منهم من حيث لا يدرون ودقوا المسمار الأخير في نعش حركتهم لمساهمتهم
بطريقة غير مباشرة في إعادة هيبة السلطة التي ضاعت بفعل التحالفات
التكتيكية بين الأجنحة العسكرية والميليشيات المختلفة ضد قرارات الرئاسة
وتوجهات القيادة الفلسطينية .

إن إنهاء ميليشيات حركة حماس وذلك من خلال إجراءات تقوم بها حركة حماس
نفسها بعد الاتفاق التي ستضطر إلى عقده مع قيادة السلطة خطوة مهمة لأنها
إن لم تفعل ذلك بإرادتها فستكون قد أعلنت عن نفسها بأنها خارج الصف الوطني
والإسلامي وهذا ما لا تريده حفاظا على ارثها النضالي وما اكتسبته من حيز
على المستوى السياسي وسط الجماهير الفلسطينية التي تدعي إن ما قامت به كان
من اجلها، ولذلك فإنها ستسهم حتما في صياغة ميثاق وطني بالاستناد على
قاعدة قرارات الشرعية الدولية وقرارات القمم العربية وحتى على الاتفاق على
ميثاق الأسرى مع المشاركة في بناء الأجهزة الأمنية والعسكرية على أسس
صحيحة وسليمة وحل ميليشياتها العسكرية .

إن القيادة السياسية لحركة حماس تدرك بان ما تقوم به ميليشياتها افقد
للحركة مصداقيتها، وانكشف زيف شعاراتها، وان ما يعانيه أهالي غزة من حصار
لم يكن إلا لضيق افقها وتنفيذها لبرنامج لا يتفق مع أهداف وتطلعات الشعب
وأماله.وان الاستمرار في الانقلاب وعدم الالتفات للمصلحة الوطنية سيؤدي
حتما إلى انفجار تدفع فيه الحركة وتاريخها ثمن انعكاساته، وعليه كان لا بد
لحماس أن تذعن لشروط الإجماع الفلسطيني والقبول بحوار يفضي إلى توافق
وطني، والانخراط في ميثاق وطني تحت لواء منظمة التحرير في الوقت الذي يبدأ
فيه تحضير الانتخابات التشريعية والرئاسية. وتسليم تلك القيادة بان حماس
لن تكون إلا كواجهة سياسية.

بذلك يكون أبو مازن قد أعاد بناء النظام السياسي والعسكري وفق أسس وصيغ
يتم التوافق عليها عبر ميثاق وطني يسرع في عملية التفاوض مع إسرائيل على
قضايا الوضع النهائي، وهنا يمكن القول إننا أمام حالة بناء جديدة للنظام
الفلسطيني تكون غزة قد مهدت له بعد حالة الانقلاب التي جرى فيها ..

الطير الجريح
كل لشكر والتقدير على ما قدمت

الانقلاب ما كان له أن
يتم دون التمهيد لعوامل إنجاحه والتي
كانت كثيرة، وما كان أن يتم بعضها
دون مباركة وموافقة الرئاسة بطريقة
غير مباشرة
شكرا لك اخي الغالي
الطير الجريح
الله يعطيك العافية

يعطيك العافيه على الوضوع المفيد
ننتظر المزيد من الابداع
تحياتى

دائما متميز في الانتقاء
سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك

لكـ خالص احترامي

احلي المواضيع

يسلمو والله

» مسلسل الانقلاب الحمساوي بكامل حلقاته وبالتفاصيل
» حكاوي العواجيز في قهوة الانقلاب (( ملف جديد : شقيق محافظ غزة الحمساوي
» حكاوى العواجيز في قهوة الانقلاب
» لماذا؟والى متى ؟ والسؤال حاير في عقلي
» دائما" نتساءل لماذا ؟؟؟؟؟لماذا؟؟؟؟؟لماذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟