عادوا إلى المفاوضات أم لم يعودوا لا فرق- بقلم ياسر الزعاترة

في تعليقه على صفقة البيت الأبيض مع نتنياهو، قال الكاتب الإسرائيلي المعروف ناحوم برنياع في يديعوت أحرونوت: ''ظاهراً رب البيت جن جنونه. رزمة الامتيازات التي تعرضها إدارة أوباما على إسرائيل تبدو أكثر جودة من أن تكون حقيقية. يوجد فيها 20 طائرة إف 35 (الشبح) بقيمة 3 مليار دولار ستزود بالمجان، وكذا تشديد العقوبات ضد إيران، وأيضاً وعد باستخدام الفيتو ضد كل قرار مناهض لإسرائيل في مجلس الأمن، وكذلك وعد بالحفاظ على الغموض النووي لإسرائيل، وأيضاً التسليم ببناء إسرائيلي في شرقي القدس والتعهد بعدم مطالبة إسرائيل بتجميد إضافي. كل هذا مقابل خطوة لا يؤبه لها: تجميد البناء في الضفة لثلاثة أشهر. يخيل لي أنه لم يسبق أبداً أن عُرض على إسرائيل كل هذا الكم الكبير مقابل هذا الثمن الطفيف جداً. سطحياً، هذه ليست صفقة تنزيلات: هذه صفقة تصفية''.

وفيما يحاول ''برنياع'' البحث عن تفسير آخر للصفقة من قبيل المطالب التالية المتعلقة بالتسوية مثل مسألة الحدود، فإن الأمر لا يبدو عصياً على التفسير. وتبدأ القصة من إجماع ساسة واشنطن وعسكرييها على ضرورة سد الفراغ القائم في الساحة السياسية الشرق أوسطية، لأن اندلاع انتفاضة جديدة سيشعل المنطقة برمتها ويضع مصالح الولايات المتحدة في مهب الريح بعد ملامح تحسن في العراق مقابل ورطة كبيرة في أفغانستان يمكن أن تغدو أكثر بؤساً، فضلاً عن تطورات مرشحة للمزيد من التصعيد في السودان واليمن والصومال، والحبل على الجرار.

أما الجانب الآخر فيتعلق بتطور النفوذ الصهيوني في الأروقة الجمهورية وهزيمة الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي، ومن ثم إدراك أوباما لعجزه المزمن عن تحدي نفوذ اللوبي الصهيوني، في وقت لا يتردد هذا الأخير في دعم نتنياهو على نحو استثنائي.

وفيما يرى البعض أن شرط تجميد الاستيطان صار عبئاً أكبر على الفلسطينيين، إلا أن واقع الحال يقول إن حجم الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني لم يعد مرتبطاً بهذا الأمر، وإن الصفقة ستتجاوز شرط تجميد الاستيطان نحو ''اتفاق الإطار'' الذي يجري الإعداد له منذ شهور ليكون طبخة أوباما الخاصة للتسوية الشرق أوسطية.

المطلوب إذن بعد تمرير الصفقة هو الشروع في مفاوضات تفضي إلى التوقيع على اتفاق إطار يشبه إلى حد ما اتفاق أوسلو لجهة مرحليته وغموضه ''البناء''، وهو اتفاق سيطبق في غضون عشر سنوات كما قيل، مع التذكير بأن المواعيد ليست مقدسة، بدليل مواعيد أوسلو المعروفة التي ضاعت وسط التعنت الإسرائيلي.

في هذه الأثناء يمضي المشروع الأساسي الذي يتحرك على الأرض كما هو مخطط له، أعني برنامج السلام الاقتصادي والدولة المؤقتة في حدود الجدار، وهو المشروع الذي أصبح موضع إجماع في الساحة السياسية الإسرائيلية ويحظى بدعم الإدارة الأمريكية واللوبي الصهيوني. وإذا رفضته السلطة (قولاً) وذهبت تبحث عن اعتراف دولي، فإن الموقف لن يتغير، اللهم إلا بتحويل النزاع القائم على الأرض إلى نزاع بين دولتين قد يكون مريحاً أكثر للاحتلال، والنتيجة أن عودة المفاوضات أو استمرار توقفها لن يعني الكثير ما دام الوضع على حاله.

من السهل بالطبع أن نلقي باللائمة على أوباما وإدارته، وهي لعبة يمكن أن يمارسها أولئك الذي عولوا على تلك الإدارة، لكن واقع الحال يقول إننا إزاء قيادة فلسطينية لم تكن لتغير سياستها سواءً كان أوباما هو ساكن البيت الأبيض أم هيلاري كلينتون أم جون ماكين أم أي أحد آخر، فقد أعلنت ذلك منذ سنوات طويلة. منذ أن تمردت على ياسر عرفات وتركته يواجه الاغتيال (هناك من يرى الموقف أكثر من ذلك كما يعلم الجميع)، ثم حلّ كبيرها مكانه من دون أن يتوقف القوم عن الاحتفال السنوي بالراحل كما لو أن شيئاً لم يحدث.

وعندما رتبوا الانتخابات لكي يفوز برنامجهم وحزبهم وقعت المفاجأة، فكان أن انشغلوا بإعادة ترتيب الأوراق قبل أن يأتي الحسم العسكري في القطاع ليريحهم بعض الشيء بمنحهم الضفة الغربية (العنوان الأساسي للصراع) يتصرفون بها كيف يشاؤون.

إنهم في حاجة المفاوضات أكثر من أوباما، وربما أكثر من نتنياهو، في حين يساعدهم الوضع العربي البائس على المضي في مسرحية الرفض والتمنع ثم يمنحهم غطاء القبول، بخاصة الشقيقة الكبرى التي تعيش هواجس التوريث منذ سنوات.

إنه مسار كارثي على القضية، ولا بد أن ينتهي حتى يقلع الفلسطينيون نحو أفق جديد، وهو سينتهي طال الزمان أم قصر، وفيما كانت القدس وأقصاها عنوان الانفجار السابق، ستكون على الأرجح عنوان الانفجار القادم، إلى جانب وضع السلطة البائس.


ياسر الزعاترة

الله يعطيك العافيه
على المتابعة
والنقل
دمت ودام
قلمك
بالعطاء
متابعة الجديد على الساحة
وا
وننتظر الجديد

يسلمو علي الموضوع

شكرا لك على الموضوع الجميل و المفيذ ?

جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى ?

ننتظر ابداعاتك الجميلة بفارغ الصبر

ماأجمل تلك المشاعر التي

خطها لنا قلمكِ الجميل هنا

لقد كتبتِ وابدعتِ

كم كانت كلماتكِ رائعه في معانيها

دائمآ في صعود للقمه

والله موضوع متميز