" وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ..."

وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ




ان الذى ينعق هو الذى يصوت ويصرخ للبهائم، وهو الراعى، وكلمة ينعق أعطتنا صورة راع يرعى بهائم. وكان هذا الصياح من الراعى ليلفت الماشية المرعية لتسير خلفه، وهو لا يقول لها ما يريده أن تفعله، إنما ينبهها بالصوت إلى ما يريد، ويسير أمامها لتسير خلفه إلى المرعى أو إلى نبع الماء، فالنداء لفتة ودعاء فقط ، لكن ما يراد من الدعاء يصير أمرا حركيا تراه الماشية. فكأن الماشية المرعية لا تفهم من الراعى إلا النداء والدعاء، وهكذا نفهم أن هناك " راعيا"، وماشية، و"صوتا من الراعى" وهو مجرد دعاء ونداء .





مقابل هؤلاء الثلاثة فى قضيتنا هو الرسول- صلى الله عليه وسلم- حين يدعو فيكون هو" الراعى " ويدعو من؟ ، يدعو " الرعية " الذين هم الناس. وبماذا يدعو الرعية؟ أيناديها فقط لتأتيه، أم يناديها لتأتيه ويأمرها باشياء ؟ إنه يامرها باتباع منهج السماء وهذا هو الفارق بين الراعى فى الماشية والراعى فى الأدميين. فعندما يأتي الرسول- صلى الله عليه وسلم- ويقول " يا قوم إني لكم رسول ، وإني لكم نذير" ، فهذا هو الدعاء ، ومضمون ذلك الدعاء هو " اعبدوا الله ". " انظروا فى السماوات والأرض "، " افعلوا كذا من أوامر وانتهوا عن تلك النواهى" ، هذا ما يريده الرسول.






إذن فمثل الذين كفروا بالرسول كمثل الماشية مع الراعى ، فهم لا يسمعون إلا مجرد الدعاء ، كما أن الماشية تسمع الراعى ولا تعقل ، مع الفارق أن الدواب ليس مطلوبا منها أن ترد على من يناديها لذا كان الكافرون شر الدواب. وقول الحق : " صُمّ " أى مصابون بالصمم وهو آفة تمنع الأذن من آداء مهمتها . و" بُكْمٌ " أى مصابون بآفة تصيب اللسان تمنعه من آداء مهمته. فهل نفهم من قوله تعالى عنهم : " صم " أنهم مصابون بالصمم ؟ لا . كأن الحق- تبارك وتعالى- يقول :لقد جعلت الأذن لتسمع السماع المفيد ولأنها معطلة لا تسمع شيئا . وكذلك اللسان أوجدته ليتكلم الكلام المفيد ، بحيث من لا يتكلم به كأنه أبكم ، والعقل أوجدته ليفكر به فإذا لم يفكر تفكيرا سليما منطقيا ، فكأن صاحبه لا عقل له . فالأصم حقيقة خير من الذى يملك حاسة السمع ولا يفهم بها ، لأن الأصم له عذره ، والأبكم كذلك ، والمجنون أيضا له عذره ، فليت هؤلاء الكفار كانوا كذلك ، لقد صموا آذانهم عن سماع الدعوة ، وهم بكم عن النطق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا وسول الله.






تعليق




إذا أعدنا تبسيط الشرح فنقول بأن معنى الآية "ومثل الذين كفروا في تصرفهم مع الرسول كمثل الماشية التي لا تفهم من كلام الراعي شيئا إلا الزجر أو الأمر" ونحن في حياتنا العادية نقول بمثل هذا الموقف "يتكلم مع الحائط" ولكن هذا التشبيه أبلغ من تشبيههم بالجدران لأن الجدار لا يسمع بينما الكافر يسمع ولكنه لا يوصل ما سمعه إلى عقله وإذا وصل إلى عقله لا يفهم مكنون الكلام فكأنه حيوان لا يفهم من الكلام مدلول الكلمات إنما يفهم فقط نبرة الكلام.








بعض اللطائف في هذه الآية: