ازدانت مدينة غزة بالعديد من الحمامات العامة التي أنشئت لخدمة الناس جميعا في حقب تاريخية متعاقبة, فالإسلام يدعو للتطهير والنظافة التي هي من الإيمان, كما أن هذه الحمامات كانت تلبي حاجة المسافرين الذين كانوا يقصدون غزة لغرض التجارة، وكذلك للذين لم يكن في بيوتهم حمامات خاصة في العصور الماضية.
من أقدم هذه الحمامات "حمام السمرة" وهو الحمام الوحيد الذي لا زال قائماً في حي الزيتون وكان ضمن الكتلة العمرانية التي تتألف من الجامع العمري الكبير وسوق القيسارية وخان الزيت، وتقع جميعها في قلب مدينة غزة القديمة أو ما تعرف حالياً باسم "البلد".
يروي سليم الوزير صاحب حمام السمرة القصة التاريخية للحمام الذي يقدر عمره بنحو ألف سنة، وجرى ترميمه للمرة الأولى في عهد المماليك سنة 685 هجرية علي يد الملك سنجر بن عبد الله أحد مماليك مصر، وآلت ملكيته فيما بعد لآل رضوان قبل أن تستقر ملكيته لعائلة الوزير وهي من أعرق العائلات في غزة.
بعد المرور من الدهليز الضيق القصير تصل إلي الحمام الذي يتألف من ثلاثة أجزاء وهي "المشلح" عبارة عن غرفة صغيرة لخلع الملابس، قبل أن تصل إلى غرفة واسعة هي بمثابة بيت الحرارة لقربها من بيت التسخين وهي غرفة مشبعة بالبخار والحرارة العالية أيضا وبداخلها مغطس مياه ساخنة, والجزء الثالث عبارة القاعة الرئيسة وتضم إيوانين، الأول تغلب المطرزات التراثية الفلسطينية على أوسدته وأسرته ويستخدم كاستراحة خارجية للمستحمين بعد الانتهاء من الاستحمام، أما الإيوان الثاني فتم تحويله إلى كافيتريا للنزلاء تصطف على جانبيه أباريق الفخار القديمة.
ويوجد بداخل الحمام حجر رخامي منقوش عليه وفي السقف قبة ذات فتحات مستديرة معشقة بالزجاج الملون يسمح لأشعة الشمس من النفاذ لإضاءة القاعة بضوء طبيعي, بالإضافة إلي الأرضية الجميلة التي رصفت بمداور رخامية ومربعات ومثلثات ذات ألوان متنوعة.
حمام السمرة مزار طبي... ومتنفس حيوي
وأكد الوزير زيادة إقبال الزبائن والراغبين علي الحمام نتيجة لزيادة الوعي لدى الأفراد وتجربتهم للحمام ومعرفتهم لفوائد الحمام التي لا تعد ولا تحصي فالحمام بداية نظافة وطهارة كذلك استجمام وأيضا منه علاج طبيعي فهو يعالج جميع أنواع الروماتيزم ولفحة الهوا والملعة وأيضا يساعد في علاج العقم عند الرجال والنساء ويعمل علي تنشيط الدورة الدموية وعلاج تقلص العضلات وكثير من الأمراض الأخرى.
ويرتاد الحمام العرسان قبل موعد فرحهم سواء العريس أو العروسة فيتم ذهابهم للحمام وتكيسهم وعمل اللازم لهم حتى يخرجوا بأبهى حلة.
وقال الوزير إن الحمام يعتبر متنفس لكثير من الناس ونوع من التغيير والتجديد في الحياة، مضيفاً إنه "بعد الخروج من الحمام تشعر براحة نفسية كبيرة ومتعة لا توصف فيشعر الإنسان كأنه ولد من جديد بعد خروجه من الحمام".
آلية العمل بالحمام والاهتمام به...
وأشار الوزير أن العمل في الحمام ينقسم إلى ثلاث فترات، وهي فترة صباحية للرجال وفترة مسائية للنساء ثم فترة أخري ليلية للرجال والعمل قائم بالحمام علي نظام "اخدم نفسك بنفسك"، إلا من يحتاج لشخص ليساعده على الحمام والتكيس وغير ذلك من الأمور وهذا النظام في العمل حتى يشعر الفرد براحة تامة وكأنه في بيته.
ويبذل الوزير قصارى جهده للمحافظة علي جمال ورونق الحمام كما هو حتى يبقي معلم تاريخي وأثري, فيما تشرف وزارة السياحة والآثار عليه من فترة لأخرى لتضمن بقائه بحلته وهيئته التاريخية والأثرية.
وقال إن طلاب قسم الهندسة في الجامعة الإسلامية في غزة أنجزوا في العام 2000 دراسة لترميم للآثار وعملوا علي ترميم جزء من الحمام، أما باقي الترميم يكون علي النفقة الخاصة لأصحاب الحمام فيدفع مبالغ طائلة لترميه حتى يبقي محافظ عليه وثابت حتى الآن.
قصة تسمية الحمام... بالسمرة
المؤرخ المختص في علم الآثار والمواقع الأثرية سليم المبيض، يقول حول تسمية الحمام باسم "حمام السمرة" إن الناس في غزة اعتادوا علي لقب حمام السمرة بفتح السين، ولكن أصل التسمية بضم السين والميم (السُمُرة) نسبة إلي سامراء والسامرين من اليهود حيث قديما كان يأنف المسلمون من العمل في الحمام من تغسيل وتدليك الناس بينما كان يهود سامراء لا مانع لديهم من العمل في ذلك الحمام فسمي الحمام نسبة لهم ليس لملكيتهم له ولكن لكونهم كان يعملون بداخله, ولكن حاليا تجد الناس سهولة في لفظه بحمام السمرة كما هو متداول بين الجميع.
وحول أسباب تشييد الحمامات العامة في الحقب التاريخية المختلفة، يقول المبيض إن إنشاء حمام السمرة أو الحمامات الأخرى في الفترة العربية والإسلامية كان مصدرا لثراء العديد من القادرين والأغنياء سواء أكانوا من الأمراء أو السلاطين الذين بادروا جميعا في بنائها لما تدره من دخل وأموال وفيرة, لذا تنوعت في حجمها المعماري, فمنها ما كان صغيرا ومنها المتسع الرحب. وكانت جميعا تبني بالحجر الرخامي الذي يقاوم رطوبة الماء المستمرة.
ورغم صغر مساحة حمام السمرة وبساطته إلا أنه يأخذك إلي عالم آخر في الزمن القديم، ولذلك يحرص كثير من الناس على زيارته واستخدامه بين الحين والآخر رغم انتشار الحمامات الحديثة في النوادي ومراكز الألعاب الرياضية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]