تسونامي عرفات 2012
==============================
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الجريمة و النفاق
==============================
محمد رشيد يكتب : الجريمة و النفاق
05-07-2012 13:40
الكشف الهائل لشبكة " الجزيرة " الفضائية عن حقائق ووسيلة اغتيال الزعيم الراحل ياسر عرفات وضع بعض الأسئلة الصعبة والامور المعقدة بوضوح على الحائط، والوثائقية فعلت ذلك بلغة بسيطة ومفهومة للجميع، وهذا الكشف العلمي والمهني الكبير لم يخضع على مدار اشهر كثيرة لا لـ " شهوة " مهنية، ولا لاستعجال وتلهف صحفي، و يسجل تقدير كبير للطاقم الذي عمل عليه.
النتائج والحقائق الطبية كانت مطلوبة لتحويل القراءات السياسية الى أرقام واسماء ومعادلات تجمع في كلمة واحدة من خمسة احرف - " اغتيال " - و الزعيم كان يعرف بانه لا يموت، وكان على يقين بانه يقتل، بل يقتل بقسوة وحشية، بالسم النووي، واغتيال الزعيم هي ثاني عملية اغتيال معروفة بذرات " البولونيوم "، وبعد تلك الوثائقية الفتاكة لم يعد مطلوبا مني او من غيري إثبات قراءاته السياسية بالعلم و الطب، فالله فعل "وما رميت اذ رميت لكن الله رمى" .
ها هو الزعيم ينهض كالعنقاء من تحت الرماد مرة جديدة، ويحلّق عاليا بكل المجد الى قلوب الجميع، فالأسطورة لم تكتمل بعد، والأسطورة لم تكتمل حتى بعد هذا الكشف العظيم، فلا زالت هنالك فصول مخفية، و لازالت هنالك اسماء ووجوه وعيون وقحة ترصد المشهد، وتشعر بالغليان والمرارة التي تملأ الشعب الفلسطيني كله، بل وتتخطى الفلسطينيين الى العرب و العالم، فمثلما كان في حياته، هو اليوم كذلك، الفتى عرفات " مالئ الدنيا و شاغل الناس ".
اكثر ما يلفت النظر في الساعات الاربعة والعشرين التي اعقبت عرض وثائقية الجزيرة " ماذا قتل عرفات "، هو
ذلك الارتباك الواضح على اداء القيادة الفلسطينية، و خاصة اداء بعض قيادات حركة " فتح "، و فجأة اكتشف بعض الأخوة اننا الان امام شكوك جدية وحقائق جديدة تلزمنا الذهاب الى تحقيق دولي موسع وفاعل.
بهدوء، ودون عصبية او ردات فعل، اولم تكن الشكوك هناك منذ منتصف اكتوبر 2004 ؟، وهل فعلا كنا مقتنعين ان ابا عمار رحل عنا بفعل مرض عادي؟ ، ام ان الشكوك كانت هناك لكن لم يكن لدينا دلائل عليها الى ان جاءت وثائقية الجزيرة ؟ ، ولكن كيف كان ممكنا تحويل الشكوك الى حقائق علمية دامغة، دون ان نشرع في تحقيق جدي شامل و معمّق؟ ، و من منع ذلك او عطله، لثمان سنوات ؟ ، هل كانت الجزيرة ؟ ، هل كنت انا او انت او هو أو هي ؟ ، ام من كان يملك القرار ؟ .
ام نذهب في تفكيرنا خطوة اضافية فوق الخط الاحمر، و نسمح لأنفسنا بالاعتقاد ان القيادة الفلسطينية، كانت تعرف منذ البداية بأن اسرائيل فعلت فعلتها فقتلت الزعيم، لكن الوضع الفلسطيني لا يحتمل دفع فاتورة الصدام الباهظة مع اسرائيل على خلفية تلك الجريمة ، فتركت جانبا بكل المعايير لعل الزمان يعالجها "بنعمة النسيان" كما تقول ميادة الحناوي .
اذا لم نكن نعرف لماذا لم نطلب المزيد من القدرات الطبية الفرنسية ؟ ، ولماذا لم نفتح دعوى جنائية حتى وان كانت ضد مجهول لابقاء الملف مفتوحا والأدلة محفوظة، بدلا من السلوك المشبوه والمهين للسلطات الفرنسية والادعاء بتدمير كل الأدلة و العينات ؟، بل كيف تفعل السلطات الفرنسية ذلك في ظل عجز جهازها الطبي عن الحسم باسباب موت الزعيم ؟ ، هل سألتنا فرنسا قبل ان تفعل ذلك، و قلنا لها، افعلوا ما ترون مناسبا ؟، ام هي الاخرى " خالتي فرنسا " تجاهلتنا لان بيتنا بلا سياج ؟!.
طيب خطوة ابعد، من قرر في حينه بأن لا داعي للتشريح و أخذ عينات طازجة من جسد الزعيم، ولماذا حين سألنا قيل لنا لا داعي، ولا يجوز شرعا فعل ذلك مع جسد الشهيد؟، ولماذا الان نسمع تصريحات فلسطينية متتالية ان لا شيء في الدين يمنع فتح "القبر" وأخذ عينات من العظام و الأسنان؟ ،
او ليس رفض التشريح في حينه كان معناه باننا متأكدين من ان الوفاة طبيعية؟ ، ام الاحتمال الاخر هو الأرجح، باننا كنا نعرف، و لم نكن نريد خوض تلك المعركة الباهظة الكلفة ؟، ولا اريد ان اذهب الى الاحتمال الثالث .
بعض جهات التحقيق الفلسطينية سوف تظلم، فلجنة عضو اللجنة المركزية توفيق الطيراوي، ولمن لا يعلم كلفت بهذا الملف بعد اكثر من ست سنوات على رحيل الزعيم، وربما يمارس توفيق إنكار للذات بالامتناع عن كشف كل الملابسات و تاريخ ابتداء عمل اللجنة، وهذا شأنه، ولكن حتى الدكتور ناصر القدوة شخصيا اشتكى قبل اشهر من عدم وجود تحقيقات جدية حول موت الزعيم، خاله.
اما التحذيرات المبكرة الصادرة عن بعض القيادات بعدم حرفية التحقيق، او إساءة استخدام الكشف الجديد لاغراض لن تخدم أحدا، او عدم إثارة فتنة داخلية، كلها ليست اكثر من عبارات نفاق وارهاب إعلامي وسياسي واضح،
والقيادة الفلسطينية لا تستطيع، وبعد ثمان سنوات من التجاهل والإهمال والاستخفاف، القفز مباشرة الى اتهام اسرائيل - وكفى الله المرموقين شر القتال- ، و لا بديل عن محاسبة داخلية قاسية و مقنعة لابناء فتح و للشعب الفلسطيني عموما، وأول ذلك هو الكف عن محاولات التكميم المبكر للأفواه، و سيرى الجميع لاحقا، بقدر ما كنا على حق لسنوات ونحن نقول بأن الزعيم قتل، بنفس القدر انا مقتنع بالضرورة القصوى لتحقيق داخلي شفاف عن مسؤولية اي فرد او مؤسسة في ذلك القرار الخطير .
سؤال أخير و خطير لا أملك الاجابة عليه بعد، فعلى ذمة البعض فان جثمان الزعيم قد بولغ جداً في دفنه، مما قد يصعّّب مهمة اعادة فتح الضريح، لكننا لسنا هناك بعد، وسوف نعرف الحقيقة حين نصل هناك، ولا شك ان القاتل او القتلة يعرفون انهم لم يكونوا بحاجة الا للوقت لان الزمن يتكفل بتبديد الأدلة الجنائية بتحلل الجثة، ولكن ما هو مطلوب الان العثور على أية عينات مهما كانت صغيرة لـ " البولنيوم " ، فذلك سيؤكد بالمعنى التقني مسألة الاغتيال قضائيا، فما وجد في ملابس الزعيم و فرشاة اسنانه، وخاصة في خصلات شعره اكثر من كاف لتوجيه اتهام بالقتل، وان لمجهول، فهل يفعلها الرئيس ووزير العدل، والنائب العام، سنرى .
محمد رشيد
مركز رصد ومتابعة واستقراء وتحليل المعلومات ’’صوريفستان ’’