علامات الساعة الكبرى

هدم الكعبة وخراب المدينة

الحمد لله الذي طيب طيبة وشرفها بسيدنا محمد صاحب السيادة، وعطر تربتها
بحلوله فيها ففضلت على البلاد بزيادة، فهي ءاخر قرى الاسلام خراباً كما
شاء الله وأرادَ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم الغيب
والشهادة، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله من خصة الله بالشفاعة
العظمى وبلغه مراده، المصطفى الذي قد اختاره الله على العباد وزاده، وأعطى
الفوز لمن ءامن به وزاره في المدينة وأعظم بها من عبادة، وبشر من تبعه
وعمل بسنته بالخير والسعادة .

الله سبحانه وتعالى جعل الكعبة المشرفة وسط الأرض، وهي أول بيت وضع وبني
في الأرض لعبادة الله، وكان أول من بناها سيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام
أول الأنبياء والبشر، وذلك بعد نزوله من الجنة .

وقد روي في الأثر أن ءادم عليه السلام حج أربعين حجة، ولا يزال المسلمون يتوجهون بصلواتهم إلى الكعبة فهي قبلة لهم .

وبعد أن بنى سيدنا ءادم الكعبة بأربعين سنة بنى المسجد الأقصى، الناس
الذين كانوا أيام ءادم عليه السلام كانوا على الاسلام، ما كان فيهم كافر
قط، وكذلك في أيام ثاني الأنبياء شيث وكذلك في أيام إدريس عليهما السلام،
كان كل الناس في زمانهم على الإسلام وكانوا يتوجهون بصلاتهم إلى الكعبة،
وبعد ذلك بزمان بعد وفاة نبي الله إدريس عليه السلام حصل الكفر بين الناس
بسبب إبليس لعنه الله، فأرسل الله نوحاً يدعو الناس إلى الإسلام وعبادة
الواحد الديان، فآمن به من هدى الله وكفر به من حقت عليهم الضلالة وهم
الأكثر .

قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى " كان الناس امة واحدة " أي كلهم على الإسلام فاختلفوا فكان أول الأنبياء المرسلين إلى الكفار نوح عليه الصلاة والسلام، وأما أول الأنبياء فهو ءادم صلى الله عليه وسلم وكان نبيا رسولا جميل الخلقة يتكلم بكل اللغات .

ثم أمر الله نوحاً أن يبني سفينة على اليابسة، فصار الكفار يستهزءون به
كيف يبني سفينة على اليابسة، ولكنه امتثل لأمر الله سبحانه وبنى هذه
السفينة من شجرة نبتت يوم ولد نوح عليه السلام .

وكان عليه الصلاة والسلام أي نبيُ الله نوحٌ، كلما دعا قومه لدين الحق
الإسلام يضربونه ضربا شديدا حتى يغشى عليه فيظنون أنه قد مات، فيعود ويدعو
إلى دين الله، فكان من أولي العزم أي الذين بلغوا من الصبر المنتهى، وبعد
أن انتهى من بناء السفينة ركب فيها ومن معه من الذين ءامنوا، وكانوا نحو
ثمانين شخصاً من ذكر وأنثى، ومعهم أيضاً من البهائم من كل زوجين اثنين،
فلما استقروا في السفينة أمر الله الأرض أن تخرج ماءها ثم أمر السماء أن
تنزل مطرها، حتى عمّ الماء فوق أعلى جبل في الدنيا، فصار الماء أعلى منه
بمسافة خمسة عشر ذراعاً، فعم الماء الأرض وحدث طوفان وتهدمت الكعبة
المشرفة، بعدما نجا الله نوحاً والمؤمنين واستقرت السفينة على جبل الجودي
في العراق .

فلما استقرت السفينة على جبل الجودي نزل المسلمون هناك مع نبيهم نوح عليه
السلام، وكانوا يصلون متجهين إلى البقعة التي كانت الكعبة عليها .

ولا زال هكذا أهل الاسلام بعد نوح إلى أن جاء نبي الله ابراهيم عليه
السلام، فأمره الله أن يعيد بناء الكعبة ودلّه على موقعها سيدنا جبريل
عليه السلام، فصار سيدنا ابراهيم يبني الكعبة مع ولده إسماعيل وكان معه
حجر من الجنة غير الحجر الأسود، وهذا الحجر المعروف بمقام ابراهيم، هذا
الحجر كان يقف عليه نبي الله ابراهيم لما بنى الكعبة، وكان كلما علا في
بناءها علا الحجر معه، كان يرتفع بإذن الله في الهواء من غير أن يكون
مرتكزاً على شىء جامد، حتى أتم بناء الكعبة مع ولده إسماعيل عليهما
السلام، وبقي الأمر عبر العصور والأيام والمسلمون يتجهون في صلاتهم إلى
الكعبة، حتى هاجر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة
فأمره الله أن يتوجه إلى الأقصى سبعة عشر شهراً، ثم أمره بأن يرجع فيستقبل
الكعبة وكان صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الظهر، فرجع متوجها إلى الكعبة
وكان ذلك في المدينة في المسجد المعروف الآن باسم القبلتين

وقد عمل بعد ذلك للكعبة ترميم وتجديد بناء، والقدر القائم منها اليوم هو
الحادي عشر وكانت المرة الأخيرة أيام العثمانيين، ولا يزال بناءها هكذا
إلى يومنا هذا، ولا تزال قبلة أهل الاسلام الكعبة إلى أن يأتي أمر الله .

والله تعالى اعلم واحكم